الموضوع : الأصل في أخذ الحقوق اللجوء إلى القضاء

رقم الفتوى : 3004

التاريخ : 27-10-2014

السؤال :

ما حكم أخذ الحق بالحيلة؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الأصل في استيفاء الحقوق أن يتم برضا مَن عليه الحق واختياره، فإذا رفض الأداء أو ماطل فيه أو جحده فالأصل في صاحب الحق أن يلجأ لرفع  دعوى أمام القضاء لفصل هذا التنازع، وإجبار مَن عليه الحق على أدائه بعد إثباته لحقه، ولا يكفي الادعاء المجرد لاستيفاء الحق المزعوم دون إثبات؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ) رواه البخاري. ولذلك وجد القضاء، فلا يجوز للأفراد تحصيل الحقوق دون  اللجوء إليه، لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة، ولاحتمال حصول فتنة أو ضرر قد يصبح فيه صاحب الحق متهماً بالخيانة أو السرقة والرذيلة.

فإن تعذر تحصيل الحق بذلك – لسبب أو لآخر - فقد قيّد الفقهاء جواز "الظفر بالحق" بضوابط وشروط وقيود، من أهمها: 

أولاً: أن لا يكون الحق عقوبة، وذلك لكونها عظيمة الخطر، حيث إنّها تُوقَع على النفس، والفائت فيها لا يُستدرك، فوجب الاحتياط في إثباتها واستيفائها. 

ثانياً: أن لا يؤدي تحصيلها بالحيلة إلى حصول فتنة له أو لغيره. 

ثالثاً: أن لا يؤدي تحصيلها بالحيلة إلى لحوق ضرر بصاحب الحق، كنسبته إلى الرذيلة باتهامه السرقة مثلا. 

رابعاً: أن يتم التحصيل مِن قبل مَن له الحق دون غيره، فلا يجوز ذلك بالوكالة. 

خامساً: أن لا يأخذ غير جنس حقه إن وجد وقدر على تحصيله، فإن تعذر جاز الأخذ من غير جنس حقه. 

سادساً: أن لا يأخذ أكثر من مقدار حقه، سواء من جنسه أو من غير جنسه عند الضرورة. 

سابعاً: أن يرد الزائد عن مقدار حقه. 

ثامناً: إن أخذ من غير جنس حقه فيجب أن يبيع منه بقدر حقه ويرد الباقي، فإن لم يستطع تجزيئه باعه كله ورد ثمن الزائد للمأخوذ منه ولو على شكل هبة، ولا يجوز أن يبيعه لنفسه. 

تاسعاً: إذا أخذ من غير جنس حقه وطرأت عليه زيادة فهي للمأخوذ منه. 

عاشراً: إذا استوفى حقه بالحيلة ثم عاد غريمه فوفاه حقه فيجب رد قيمة ما أخذه بأعلى سعر من يوم أخذه، كالغاصب. 

الحادي عشر: لا يجوز الاستيفاء من غريم الغريم. 

الثاني عشر: لا يجوز الاستيفاء من صبي أو مجنون. 

الثالث عشر: لا يجوز استيفاء حق الله كالزكاة ممن لم يخرجها. 

الرابع عشر: لا يجوز الاستيفاء من قبل غير المالك، فلا يجوز الاستيفاء من الموصى له أو الموقوف عليه. 

الخامس عشر: لا يجوز الاستيفاء من محجور عليه بالفلس أو من ميت إلا بقدر سهمه مع الغرماء الآخرين. 

السادس عشر: أن لا يستوفى من غير الغريم، فلا يأخذ من ابنه ولا أبيه ولا أخيه؛ فلا تزر وازرة وزر أخرى. 

السابع عشر: أن لا يكون في طريقة الأخذ إرعاب. 

الثامن عشر: أن لا يكون الغريم مقراً معسراً. 

ويجدر التذكير بوجوب أن يكون الحق ثابتاً معلوماً لا مظنوناً أو متوهماً، فكثير من الناس يقرر لنفسه حقا ليس ثابتاً له ويسعى لتحصيله، كأجير أو عامل أقنع نفسه بأنه يستحق أكثر مما اتفق عليه، أو من يظن أنه يستحق أجرة على عمل دون اتفاق، أو مشتر يرى أن البائع قد غبنه بالثمن، أو من يشك بأن فلانا هو السارق دون دليل، فالأصل براءة الذمة، ولا يجوز للمسلم أن يبرر لنفسه استحقاق ما لا يستحقه، ولا يكفي الشعور بالظلم أو الشك لتبرير أكل أموال الناس بالباطل، ومن استبرأ للشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

وبهذا يعلم – من كثرة الشروط – أن الفقهاء قد شددوا في أخذ الحق بالحيلة، فالأولى بالمسلم أن لا يوقع نفسه في مظان الشبهة والتهمة، بل يلجأ إلى الطرق المشروعة والقانونية.

هذا حاصل ما يقرره فقهاء الشافعية في كلام طويل في كتبهم، يمكن مراجعته في "مغني المحتاج"، عند شرح قول صاحب "المنهاج": "إن استحق عينا فله أخذها إن لم يخف فتنة". والله تعالى أعلم.