اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)

الموضوع : حكم خروج النساء لحضور صلاة الجماعة وتخصيص مكان لهن

رقم الفتوى : 2138

التاريخ : 12-07-2012

السؤال :

ما حكم خروج المرأة من بيتها إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة، وما حكم تخصيص مكان في المسجد لصلاة النساء، وبنائه بالأساليب الحديثة، واستعمال مكبِّرات الصوت؟

الجواب :

قال صاحب "عمدة السالك وعدة الناسك" في باب (صلاة الجماعة): "ويُكره حضور المسجد لمُشتَهاةٍ أو شابّةٍ لا غيرهما عند أمن الفتنة".

وإيضاحًا لهذا الحكم نذكِّر بالأمور التالية:

1.    إن صلاة الجماعة سنة للرجال والنساء.

2.  إن صلاة الجماعة للنساء يمكن أن تكون في البيوت، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن تقيم صلاة الجماعة في بيتها.

3.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) رواه أبو داود. ومعناه أن الستر مطلوب في حقّ المرأة حتى في الصلاة.

4.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه مسلم.

5.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المساجد؛ فأذنوا لهن) متفق عليه. ويُلاحظ أن الليل يستر من يمشي فيه إلى المسجد وغيره.

6.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) رواه مسلم وغيره.

7.  إن غضّ البصر فرض على الرجال والنساء لقوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، وقال تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/31.

8.  عملاً بالآية الكريمة الثانية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر النساء أن يتأخرن في رفع رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال رؤوسهم، وإذا لاحظنا نوع اللباس في ذلك الزمن فهمنا الحكمة في هذا الأمر.

9.  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن يمكثوا في أماكنهم بعد انتهاء الصلاة حتى تخرج النساء، ففي البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَت: نَرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَي يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ.

10. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" رواه أبو يعلى في "المسند".

11.   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدتْ إحداكنَّ المسجد؛ فلا تمسَّ طيبًا) رواه مسلم.

إذا استحضرنا كل هذه الأحكام في أذهاننا تبيَّن لنا ما يلي:

أ‌.        إن صلاة الجماعة سنة في حق الرجال والنساء.

ب‌.    إن منع الفتنة بين الرجال والنساء فرض، والفرض مقدم على السنة، ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع.

ت‌.  إذا ترتَّب على خروج المرأة للجماعة فتنة مؤكّدة صار خروجها للجماعة محرّمًا، وإذا انتفت الفتنة بصورة مؤكدة ظلّ خروجها للجماعة مسنونًا، وإذا خُشيت الفتنة فلم تنتف ولم تتأكد صار خروجها مكروهًا، وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأمكنة والأشخاص، فليست العجوز كالشابة، ولا الوضيئة كغيرها، وكلما زاد احتمال الفتنة ازدادت درجة المنع، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء؛ لمنعهنَّ المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل) متفق عليه.

ث‌.  الفصل بين مصلى الرجال ومصلى النساء في المسجد الواحد يقلّل من إمكانيّة الفتنة وقد ينفيها أحياناً، وهذا يحقِّق الأهداف التي من أجلها أُمر الرجال بالانتظار بعد الصلاة في أماكنهم حتى تخرج النساء ألا وهي عدم الاختلاط عند الخروج، وذلك الاختلاط هو السبب في كون شر صفوف النساء أوّلها وشر صفوف الرجال آخرها في المسجد المشترك، إذا كانت النساء يصلين خلف الرجال.

ونحن نرى اليوم حضور الرجال والنساء إلى المسجد يكون على دفعات ويستمر حتى دخول الإمام في الصلاة، بل كثيرًا ما يسبقهم الإمام بعدة ركعات، فإذا لم يكن للرجال مكان مستقل، وللنساء مكان آخر في المسجد؛ خُشي أن تختلط الصفوف، وهذا أمر محظور شرعًا.

إن الفتنة التي يُخشى من حصولها في الاختلاط لها درجات: أدناها الاستحسان والإعجاب، ثم ميل النفس والعشق، إلى آخر تلك المفاسد التي لا تخفى.

والإسلام يحرص على منع الشر من أصله وقطع دابر الفتنة، وقول الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30 يبين البداية والنهاية في افتتان الرجال بالنساء، وافتتان النساء بالرجال.

لهذا كله أرى عبارة صاحب "عمدة السالك وعدة الناسك" التي عبر فيها عن مذهب الشافعية هي الصواب، والحكم ظاهر الحكمة لمن عرف قواعد الشريعة واستوعب الأدلة التي سبقت.

وأرى أيضًا أن الفصل بين مصلى الرجال ومصلى النساء أمر حسن يقطع دابر الفتنة ويحقق مقاصد الشريعة السمحة، وكونه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني أن استحداثه بدعة، فقد تغير الناس كثيرًا، وكم استحدث المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور مباحة تؤدي إلى خدمة الدين وتحقيق أهدافه، وأقربها للذهن هذه العمارة الفخمة الحديثة للمساجد والتي تؤدي إلى راحة المصلين وتيسير أمور العبادة عليهم، ومكبِّرات الصوت التي توصل صوت المؤذن وصوت الخطيب يوم الجمعة إلى أعداد كثيرة من المصلين، والقول بأن هذه الإحداثات بدعة قول يزري بصاحبه، ويدلّ على عدم تفريقه بين الوسائل والمقاصد في أمور الشريعة، وهل يقبل عاقل أن نبني مساجدنا اليوم بلبن وطين ونسقفها بسعف النخيل لتكون مشابهة لمسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم في زمانه، في حين نبني بيوتنا على أحدث طراز؟!

 لقد جدّد المسلمون في كل عصورهم بناء المسجد النبوي الشريف تجديدًا يدلّ على التعظيم  والاحترام لمسجده صلى الله عليه وسلم، كما يدلّ على استيعابهم لمقاصد الشرع الشريف.

واستحداث أماكن خاصة في المسجد للنساء يسمح لهن بالمشاركة في الجمعة والجماعة دون الوقوع في محاذير الاختلاط، فهو يحقق مقصدًا من مقاصد الشريعة وينفي محظورًا من المحظورات، وما كان هكذا فحكمه الجواز إن لم نقل بالوجوب، والله تعالى أعلم وهو الموفق إلى الصواب.

وقد اقتضى هذا البيان اعتراض البعض على عمارة المساجد بوسائل البناء الحديثة، والفصل فيها بين الرجال والنساء بجدران تمنع الاختلاط، واستعمال مكبرات الصوت!!

"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الصلاة/ فتوى رقم/13)