النَّبي يعلنُ الحبّ

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

أضيف بتاريخ : 16-09-2020


النَّبي صلّى الله عليه وسلّم يعلنُ الحبّ

 

يتصوّر فريق من النّاس أن الالتزام بالدِّين وأحكامه والحبّ لا يجتمعان في شخص واحد، فهما نقيضان، بظهور أحدهما يُحجب الآخر ويختفي، ولا يكون له أثر، وهذا التصوّرُ انحرافٌ عن الطّريق الصّحيح، ومخالفٌ للحقيقة والواقع.

إذا تأمّلنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لوجدناها عامرة بالحبّ لله ولخلْقه، وإنّ نظرة سريعة في السّنةِ النبوية تكشف لنا عن تلك الحياة الإنسانية التي كان الحبّ من أبرز سماتها وعلاماتها، وعلينا كمؤمنين أن نقتديَ بجنابه الشريف؛ لأنه أسوتنا عليه الصلاة والسلام.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلن محبته لأزواجه وأبنائه وأحفاده، ومن ذلك ما ذكره البراء بن عازب: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ)، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: (عائشة). فقلت: من الرجال؟ فقال: (أبوها) متفق عليه.

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلنُ محبّته لأصحابه، فعن معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لأحبك يا معاذ)، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وكذلك أعلن محبّته لأسامة بن زيد وأبيه، حتّى لُقِّبَ بالحِبِّ ابن الحِبّ. رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.

وقد وجّه النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابَه أن يُعلن أحدهم محبته لأخيه، ولا يبقيها سرّا دفينا في صدره، فعن أنس بن مالك، أن رجلا كان عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فمرّ به رجل فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلمته؟) قال: لا، قال: (أعلمْهُ) قال: فلحقه، فقال: إني أحبّك في الله، فقال: أحبَّك الذي أحببتني له. رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح.

ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لنشر المحبة بين الناس، وربط بعضها بمحبة الله تعالى، فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) رواه البخاري، ومن ذلك ما رواه يَعْلَى ابْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا) رواه أحمد والترمذي وحسّنه.

وبيّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أنّ المرء مع من أحبّ أي مُلحقٌ بهم حتى يكونَ من زمرتهم، فعن أبي ذر، أنه قال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم، ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحبّ) متفق عليه.

ولم يُقتصر إعلان الحبّ على الإنسان بل كان للجماد منه نصيب، فالجمادات من خلق الله وصُنعهِ، وهي تسبّح بحمده، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) رواه البخاري.

هذه شذرات يسيرة، وإشارات عابرة على الحبّ في حياة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وحري بنا أنْ نعيش الحبّ ونعلنه للآخرين، وينبغي ألا يخجل أحدنا من إعلان محبّته لزوجه أو ولده أو صاحبه فإنّ لكلمة الحبّ أثرَ السّحر في القلوب، فلنحرِص عليها.