أثر مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للشذوذ الجنسي
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فتصنف مواقع التواصل الاجتماعي كأحد أشكال الإعلام الجديد (New Media)، وتعمل مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومسمّياتها على تبادل المعلومات والرسائل اللغوية وغير اللغوية بين الأفراد والجماعات، وتختلف عن الإعلام القديم في أنّ الرقابة الرسمية أو الأخلاقية عليها ضعيفة؛ حيث يعد كل فرد قناة بث مستقلة، والمشتركون أعدادهم بالمليارات؛ مما يجعل عملية ضبط هذه الوسائل صعبا للغاية، خاصة أنّ الدول تختلف بمبادئها وقوانينها، فما هو مجرم عند أحدها ليس كذلك عند الآخرين، والترويج للشذوذ الجنسي أحد تلك النماذج، فهو جريمة أخلاقية وقانونية في بعض الدول الإسلامية والغربية مثل روسيا، بينما هو مدعوم عند معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بناء على تقديم حرية الفرد على الشرائع والأديان.
نظرة الإسلام للشذوذ الجنسي
خلق الله الإنسان ذكرا وأنثى، وشرع بينهما الزواج لإشباع الغريزة الجنسية، ولاستمرار التناسل من أجل البقاء، قال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة: 37- 39].
ومبنى الشذوذ على نقيض هذا المنهج، حيث يدعو إلى الانجذاب الجنسي لأفراد من نفس الجنس، وممارسة الجنس معهم، مما يعد انحرافا عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وفساد هذه الفطرة، وانحرافها عن المنهج السليم يؤدي إلى انتكاس في المشاعر والأحاسيس، وإلى تناقص النسل وضياعه؛ مما يصادم مقصدا رئيسا من مقاصد الشريعة الإسلامية.
ويعد قوم لوط أول من مارس الشذوذ الجنسي، وانتشر بينهم حتى صار ظاهرة مجتمعية، وقد أخبرنا القرآن الكريم كيف أنكر عليهم نبي الله لوط عليه السلام فعلهم الشنيع هذا، قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ* وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 160- 167] فاعتبر فعلهم مجاوزة للحد، حيث خلق الله للذكر الأنثى والعكس، أما الميل عن ذلك فهو شذوذ عن الفطرة يعاقب ربنا عليه، قال الله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ* قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 167- 174].
ولا خلاف بين فقهاء الإسلام أن الشذوذ الجنسي محرّم، وهو من أغلظ الكبائر وأشنعها، قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 54، 55]، فتأمّل كيف سمى نبي الله هذا الفعل الشاذ بأنه فاحشة، وأنه عنوان على الجهالة.
روى أحمد والأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، وشدة هذه العقوبة تشير إلى فظاعة الفعل؛ لأن الجزاء من جنس العمل، حيث تشبّه جريمة الشذوذ الجنسي بقتل الفطرة الإنسانية بين الناس، فاستحق فاعلها وناشرها بينهم أن يكون كالقاتل للنفس؛ لأن قتل الفطرة لا يقل عن قتل النفس بشاعة.
كيف يتم الترويج لجريمة الشذوذ الجنسي؟
تنوعت أساليب دعاة نشر جريمة الشذوذ الجنسي في المجتمعات بين الأساليب القديمة والحديثة، فمن الأساليب القديمة نشر الكتب والروايات والقصص التي تتضمن نشر هذه الرذيلة وتروّج لها وتدافع عن مرتكبيها، وتصورهم بصورة المضطهد البريء الوديع صاحب الأخلاق الرفيعة، لضمان حالة من التعاطف معهم، وتبني مسلكهم المشين، وهنا نرى أنّ الرقابة على المصنّفات والكتب وما تمثله من حائط صدّ يحافظ على قيم المجتمعات وأخلاقهم تقف عاجزة أمام طوفان الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) حيث يمكن القفز على هذه الرقابة من خلال تحميل الكتب عبر الشبكة العنكبوتية، مما يشكل ثغرة يصعب تجاوزها على أصحاب القرار.
وكذلك الأمر بالنسبة لما يقدّم من مسلسلات وأفلام، حتى الأفلام الكرتونية، حيث تشكل بعض المنصات مثل (Net Flex) ساحة مفتوحة وداعمة لكل ما يعزز تلك الأفكار المنحرفة، والسلوكيات الشاذة بطرق فنية مباشرة وإيحائية غير مباشرة، وهذه المنصات كذلك تصعب السيطرة عليها.
ولا يخفى ما يلعبه بعض الممثلين والمطربين والرياضيين الغربيين في مقابلاتهم مدفوعة الأجر في البرامج الحوارية (Talk Show) للترويج لهذا الشذوذ، خاصة أنهم يعتبرون من المؤثرين، وتشكلهم آراؤهم بالنسبة لمحبيهم ومشجعيهم (Fans) حقائق غير قابلة للنقاش، ويمكن أن نلحظ ما فعله فريق منتخب ألمانيا في كأس العالم مؤخرا في قطر حيث صرح الفريق بدعمهم للشواذ، وأنهم قد أسفوا على منعهم من رفع شعار هؤلاء المنحرفين، واعتبروا ذلك مصادرة لحرية التعبير، فالتقطوا صورة جماعية واضعين أيديهم على أفواههم في صورة مشهورة انتشرت في وسائل الإعلام.
كل ما سبق يتم نقله وتوزيعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وإذا أضفنا له صفحات أولئك الشواذ، وما تتضمنه من محتوى مقروء أو مسموع أو مرئي يعزز ممارساتهم الفاضحة، علمنا أنّ عملية نشر تلك الرذيلة تتم على نطاق واسع جدا ومنظم.
أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للشذوذ الجنسي
بناء على ما سبق من معلومات، وإذا أضفنا لها أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل حالة من السيولة يصعب ضبطها أو السيطرة عليها، ولا يعدم المستخدمون لها من إيجاد الحلول والمخارج لكل تقنية تحاول منعهم من الوصول لمبتغاهم، وإذا أضفنا أيضا ما تقوم به الشبكات القائمة على تلك المنصات والوسائل من التحكم بالخوارزميات حيث تمنع كل محتوى يناهض هذا الفكر الشاذ، ومع العمل للترويج للمحتوى المنحرف في نفس الوقت إذا أخذنا كل ما سبق في عين الاعتبار، سنصل لنتيجة مفادها أننا أمام خطر يهدد وعي المجتمع وهويته وأخلاقه، مما يعرض بنية المجتمع للخطر، وتجعل السلم الاجتماعي على شفا جرف هار، مع تشويه واضح للمعتقدات والثقافة والتقاليد والأعراف.
يلحظ المدقق ما تقوم به تلك الوسائل من ضربات للقيم الدينية والمجتمعية والإنسانية، مما انعكس على فريق من الناس في مجتمعاتنا، حيث نجد من يتبنى فكرهم ويمارس فعلهم، وفي الحد الأدنى نجد من يدافع عن حق هؤلاء الشواذ في ممارسة حريتهم.
إن فئة كبيرة من الشباب والشابات وحتى الصغار هم من رواد وسائل التواصل الاجتماعي مع ملاحظة عدم وجود القدرة الكافية لمراقبة ما يفعلون حين يجلسون الساعات الطويلة يقلبون صفحاتها، ومع غياب ملحوظ لدور الأهل في التوعية والتوجيه، حيث لا ينتبهون أو يجهلون الأساليب القذرة وغير المباشر التي يقوم بها أهل الشر في الترويج لأفكارهم، إذا جمعنا ما سبق سنصل لنتيجة مفادها أن جيل الشباب والصغار يواجهون خطرا حقيقيا، لا بد من التنبه إليه والتنبيه عليه، وإلا سيقع جيل بغالبيته في شباك تلك الدعوات الإجرامية، ولا يخفى أن عملية التأثير والتأثر بين الصغار والشباب أسهل بكثير منها بين الكبار في السن، علما أن المتابع لا يعدم النماذج المتأثرة بهذه الانحرافات من كبار السنّ أيضا، وإن كان بشكل أضعف منه بين الشباب والصغار وأقل عددا.
مما ينبغي معرفته أن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لا تشكل بيئة آمنة، فليس فيها محذورات، وهي تعكس الفكر الغربي القائم على الحرية المطلقة، دون مراعاة للقيم الدينية والأخلاق المجتمعية؛ مما يجعل المتصفح لها فريسة سهلة للوقوع في شباك أهل الشر من القائمين على الترويج للشذوذ الجنسي والانحراف الخلقي.
خاتمة
علينا جميعا كأفراد ومؤسسات ومجتمع أن نرفع من درجة الوعي عند الأهل والأولاد، فالحرب في الأساس تستهدف الوعي؛ لذلك علينا أن نخوض تلك المعركة بالأخذ بكل الأسباب المتاحة للتقليل من الخسائر المحتملة، فينبغي أن نحذر أبناءنا وبناتنا من الشذوذ الجنسي، مبيّنين لهم خطورة هذه الجريمة من الناحية الدينية والأخلاقية والمجتمعية، وما لها من انعكاسات سلبية على حياة الفرد والمجتمع، كما ينبغي تنبيه الأهل وأولياء الأمور على أن وسائل التواصل ليست بيئة آمنة، حتى يبذلوا مزيدا من رفع الوعي عند أبنائهم مع مراقبة ناعمة تحقق الغاية والهدف.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين